الملعب الأسطوري محمد الخامس: رمز الرياضة والتاريخ في الدار البيضاء و معقل الديربي البيضاوي

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 


يتربع المركب الرياضي محمد الخامس، المعروف شعبيًا بـ"ملعب دونور"، على عرش الملاعب المغربية كأحد أبرز المعالم الرياضية والثقافية في المغرب. يقع في قلب مدينة الدار البيضاء، تحديدًا في حي المعاريف، ويُعد هذا الملعب رمزًا للعزة الوطنية وشغف كرة القدم. سمي الملعب تيمنًا بالملك الراحل محمد الخامس، أيقونة النضال من أجل الاستقلال، وهو موطن لناديي الوداد والرجاء البيضاويين، اللذين يشعلان مدرجاته بالحماس في ديربي الدار البيضاء الأسطوري. في هذا المقال، نأخذكم في جولة لاستكشاف تاريخ هذا الملعب العريق، أهميته الرياضية والثقافية، وما يجعله وجهة لا غنى عنها لعشاق الرياضة.

تاريخ الملعب: من البدايات إلى الأسطورة

البدايات والتأسيس

افتُتح الملعب رسميًا في 6 مارس 1955، وهو يُعد أقدم ملعب كرة قدم في المغرب. في بداياته، حمل اسم مارسيل سيردان، تكريمًا لبطل الملاكمة الفرنسي الشهير الذي عاش في الدار البيضاء. بعد استقلال المغرب عام 1956، تغير اسمه إلى ملعب الشرف (Stade d’Honneur)، ثم حصل على اسمه الحالي المركب الرياضي محمد الخامس في عام 1981، تكريمًا للملك الراحل محمد الخامس.

صُمم الملعب في الأصل لاستيعاب حوالي 30,000 متفرج، لكنه خضع لعدة عمليات تطوير، أبرزها في أواخر السبعينيات استعدادًا لدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط 1983 التي استضافتها الدار البيضاء. خلال هذه التوسعة، التي أشرف عليها المهندس لويس غيو، زادت سعته إلى حوالي 80,000 متفرج، مع إضافة مدرجات جانبية ومنشآت حديثة مثل صالة رياضية مغطاة ومسبح أولمبي.

التجديدات الحديثة

في عام 2015، خضع الملعب لتجديدات أخرى لتحسين البنية التحتية، وفي 2023-2024، شهد أعمال إعادة تهيئة شاملة بتكلفة 250 مليون درهم (25 مليار سنتيم) استعدادًا لاستضافة كأس الأمم الأفريقية 2025 وكأس العالم 2030. شملت التجديدات تحسين الإضاءة، تجديد العشب، تركيب كراسي مرقمة، وإنشاء متحف للذاكرة الرياضية، بالإضافة إلى تهيئة منطقة كبار الشخصيات (VIP) لتتماشى مع معايير الاتحاد الإفريقي (CAF) والاتحاد الدولي (FIFA). أُعيد افتتاح الملعب في أبريل 2025، لكنه واجه انتقادات بسبب أعمال تخريب لبعض المرافق مثل المراحيض والكراسي بعد مباريات محلية.


 

مواصفات الملعب ومرافقه

يمتد المركب الرياضي محمد الخامس على مساحة 12 هكتارًا، ويتسع حاليًا لـ45,891 متفرجًا (وفقًا لبعض المصادر) أو 67,000 متفرج (وفقًا لمصادر أخرى). يضم الملعب مرافق حديثة تجعله تحفة رياضية مغربية، منها:

  • أرضية عشب طبيعي بمساحة 105 أمتار طولًا و68 مترًا عرضًا.

  • صالة رياضية مغطاة بسعة 12,000 مقعد، تستضيف رياضات مثل كرة السلة، كرة اليد، والكرة الطائرة.

  • مسبح أولمبي بسعة 3,000 متفرج.

  • مركز إعلامي بمساحة 650 مترًا مربعًا، غرفة اجتماعات، مركز رعاية طبية، ومركز لمكافحة المنشطات.

  • مقاعد مخصصة: 3,325 للإعلاميين، 500 لكبار الشخصيات، والباقي للجمهور العام.

  • مواقف سيارات تتسع لـ2,000 سيارة، على بُعد 200 متر من أبواب الدخول.

الأحداث الرياضية والثقافية الكبرى

يُعد ملعب محمد الخامس مسرحًا لأبرز الأحداث الرياضية والثقافية في المغرب، حيث استضاف مناسبات تاريخية، منها:

  • دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط 1983: التي كانت نقطة تحول في تطور الرياضة المغربية، حيث فاز المنتخب المغربي بذهبية كرة القدم بثلاثية تاريخية ضد تركيا.

  • نهائي كأس الأمم الأفريقية 1988: وشهد حضورًا جماهيريًا كبيرًا.

  • نهائيات دوري أبطال أفريقيا: في أعوام 2017، 2021، و2022، بما في ذلك مباراة الأهلي المصري والوداد عام 2023.

  • ديربي الدار البيضاء: بين الوداد والرجاء، والذي سجل رقمًا قياسيًا بحضور 110,000 متفرج عام 1997، وهو نفس العدد الذي حضر مباريات المنتخب المغربي ضد غانا (1997) والأرجنتين (2004).

  • أحداث ثقافية: مثل خطاب الملك الحسن الثاني والبابا يوحنا بولس الثاني عام 1985 أمام 80,000 شخص.


     

أهمية الملعب: رمز وطني وثقافي

رمز كروي

يُعتبر ملعب محمد الخامس موطنًا روحيًا لعشاق كرة القدم في المغرب، خاصة جماهير الوداد والرجاء، اللذين يشكلان ظاهرة ثقافية فريدة في ديربي الدار البيضاء. المدرجات النابضة بالحياة، الأناشيد الحماسية، والتيفو المبدع تجعل كل مباراة تجربة لا تُنسى. الملعب هو أيضًا ملعب المنتخب الوطني المغربي، حيث شهد لحظات تاريخية مثل التأهل لكأس العالم وانتصارات قارية.

تحديات وانتقادات

على الرغم من مكانته، واجه الملعب انتقادات بسبب تكرار أعمال التخريب. في أبريل 2025، بعد إعادة افتتاحه، تعرضت مرافقه مثل المراحيض والكراسي للتدمير خلال مباراة الرجاء وحسنية أكادير، مما أثار استياء الجماهير ودعوات لمحاسبة المسؤولين عن هذه الأفعال. كما انتقد البعض جودة التجديدات مقارنة بالميزانية الكبيرة المخصصة، مشيرين إلى عيوب في البنية مثل الزليج غير المستوي.

الديربي البيضاوي: شغف كرة القدم في قلب الدار البيضاء

في مدينة الدار البيضاء، عاصمة المغرب الاقتصادية، يتوقف الزمن عندما يلتقي ناديا الوداد الرياضي والرجاء الرياضي في مباراة تُعرف بـالديربي البيضاوي. هذه المواجهة ليست مجرد مباراة كرة قدم، بل هي ظاهرة ثقافية واجتماعية تجمع بين الشغف الرياضي، الهوية المحلية، والتنافس التاريخي. يُقام الديربي غالبًا في المركب الرياضي محمد الخامس، الملعب الأسطوري الذي يتحول إلى مسرح للأناشيد الحماسية، التيفوهات المذهلة، والمشاعر المتأججة. في هذا المقال، نستعرض تاريخ الديربي البيضاوي، أهميته الثقافية، وما يجعله واحدًا من أعظم المواجهات الكروية في إفريقيا والعالم.


 

تاريخ الديربي: بدايات التنافس

تأسيس الناديين

  • الوداد الرياضي: تأسس عام 1937 على يد مجموعة من الوطنيين المغاربة، بقيادة محمد بن جلون. كان النادي رمزًا للمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، واختير اللون الأحمر ليعكس الشجاعة والتضحية. يُلقب الوداد بـ"فريق الشعب" لشعبيته الواسعة.

  • الرجاء الرياضي: تأسس عام 1949، وكان نتاج انشقاق عن الوداد بسبب خلافات إدارية. اختير اللون الأخضر ليعبر عن الأمل والتجدد، ويُعرف الرجاء بـ"النسور الخضر" أو "فريق المدينة" لارتباطه الوثيق بجمهور الدار البيضاء.

بدأ التنافس بين الناديين في الخمسينيات، بعد استقلال المغرب، عندما أصبحت الدار البيضاء مركزًا لكرة القدم المغربية. كانت المباريات الأولى بين الفريقين تقام في ملاعب صغيرة، لكن مع تزايد شعبيتهما، أصبح ملعب محمد الخامس المسرح الرئيسي لهذا الديربي.

تطور التنافس

خلال الستينيات والسبعينيات، بدأ الديربي يكتسب طابعًا أسطوريًا بفضل الإنجازات القارية للفريقين. فاز الوداد بدوري أبطال إفريقيا عام 1992، بينما حقق الرجاء اللقب ثلاث مرات (1989، 1997، 1999)، مما عزز من حدة المنافسة. بحلول التسعينيات، سجل الديربي أرقامًا قياسية في الحضور الجماهيري، حيث شهدت مباراة عام 1997 حضور 110,000 متفرج في ملعب محمد الخامس، وهو رقم نادر في تاريخ كرة القدم.

حتى أبريل 2025، التقى الفريقان في أكثر من 140 مباراة رسمية في البطولة الوطنية، كأس العرش، والبطولات القارية، مع تفوق طفيف للوداد في عدد الانتصارات، لكن الرجاء يحتفظ بميزة الأداء القاري. التعادلات شائعة في الديربي، مما يعكس التوازن الكبير بين الفريقين.


 

أهمية الديربي البيضاوي

ظاهرة ثقافية

الديربي البيضاوي يتجاوز كونه حدثًا رياضيًا ليصبح تعبيرًا عن الهوية المحلية. يمثل الوداد، بلونه الأحمر، الفخر الوطني والشعبية العريضة، بينما يُجسد الرجاء، بلونه الأخضر، روح الشباب والطموح. ينقسم سكان الدار البيضاء، بل والمغرب بأسره، بين مشجعي الفريقين، مما يخلق أجواء تنافسية تمتد إلى الأحياء، المقاهي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي.

التيفو والجماهير

جماهير الوداد (المعروفة بـ"الوينرز") والرجاء (المعروفة بـ"الكورفا سود" و"الكورفا نورد") تُعد من أكثر الجماهير إبداعًا في العالم. تشتهر التيفوهات (الرسومات البصرية في المدرجات) بتصاميمها المذهلة التي تحكي قصص الناديين، سواء عبر رموز وطنية أو رسائل تنافسية. الأناشيد مثل "الوداد حياة" و"الرجاء يا حبي" تُصدح في المدرجات، مما يخلق أجواء كرنفالية لا تُضاهى. في 2023، صنفت مجلة فرانس فوتبول ديربي الدار البيضاء ضمن أفضل 10 ديربيات في العالم بسبب شغف الجماهير.

تأثير اجتماعي واقتصادي

يُحرك الديربي الاقتصاد المحلي في الدار البيضاء، حيث تزداد مبيعات التذاكر، الأعلام، والقمصان الرياضية. المقاهي والمطاعم تشهد إقبالًا كبيرًا، والمدينة تنبض بالحياة قبل وبعد المباراة. اجتماعيًا، يُعد الديربي مناسبة للتجمعات العائلية والنقاشات الحماسية، لكنه أحيانًا يثير توترات بين الجماهير، مما يتطلب تدخلًا أمنيًا مكثفًا.

أبرز لحظات الديربي

  • 1997: مباراة تاريخية شهدت حضور 110,000 متفرج، وانتهت بتعادل مثير 1-1، مع أداء استثنائي من نجوم الفريقين.

  • 2005: فوز الرجاء 3-0 في مباراة شهدت تألق اللاعب محسن متولي، وهي واحدة من أكبر النتائج في تاريخ الديربي.

  • 2019: مباراة نصف نهائي كأس العرش التي انتهت بفوز الوداد بركلات الترجيح، وسط أجواء مشحونة وتيفو مذهل من جماهير الوداد.

  • 2023: ديربي دوري أبطال إفريقيا، حيث فاز الرجاء 2-1 في مباراة شهدت حضورًا جماهيريًا كبيرًا وأداءً قويًا من الفريقين.

التحديات والانتقادات

على الرغم من سحر الديربي، يواجه بعض التحديات:

  • أعمال التخريب: كما حدث في أبريل 2025، حيث تعرضت مرافق ملعب محمد الخامس للتدمير بعد مباراة محلية، مما أثار انتقادات لسلوك بعض الجماهير.

  • التوترات الأمنية: أحيانًا تتسبب المنافسة الحامية في صدامات بين الجماهير، مما يتطلب انتشارًا أمنيًا كبيرًا.

  • الضغط على اللاعبين: الديربي يضع ضغطًا نفسيًا هائلًا على اللاعبين، حيث يُعتبر الفوز مسألة "حياة أو موت" للجماهير.

لماذا حضور الديربي البيضاوي؟

  • تجربة لا تُنسى: الأجواء الحماسية، التيفوهات، والأناشيد تجعل حضور الديربي تجربة فريدة.

  • الأهمية الثقافية: الديربي هو نافذة على شغف المغاربة بكرة القدم وهويتهم المحلية.

  • الموقع المركزي: يقع ملعب محمد الخامس في قلب الدار البيضاء، مما يسهل الوصول إليه.

  • التنافس العالمي: يُعد الديربي منافسًا لأشهر الديربيات العالمية مثل ريال مدريد وبرشلونة أو بوكا جونيورز وريفر بليت.


الديربي البيضاوي بين الوداد والرجاء هو أكثر من مجرد مباراة كرة قدم؛ إنه احتفال بالشغف، الهوية، والتنافس الرياضي في قلب الدار البيضاء. من التيفوهات المذهلة إلى الأناشيد التي تُصدح في مدرجات ملعب محمد الخامس، يُعد الديربي تجربة ثقافية تجسد روح المغرب. على الرغم من التحديات مثل أعمال التخريب، يظل الديربي رمزًا للوحدة والحماس بين المغاربة. إذا كنت تخطط لزيارة الدار البيضاء، فلا تفوت فرصة حضور هذه المواجهة الأسطورية التي تجمع بين التاريخ، العاطفة، وكرة القدم في أبهى صورها!

 

لماذا زيارة ملعب محمد الخامس؟

  • التجربة الكروية: حضور مباراة ديربي الدار البيضاء أو مباراة للمنتخب الوطني هو تجربة فريدة تجمع بين الحماس والثقافة المغربية.

  • الأهمية التاريخية: الملعب هو شاهد على عقود من الإنجازات الرياضية واللحظات الوطنية.

  • المرافق الحديثة: يوفر الملعب تجربة مريحة بفضل مرافقه المتطورة وموقعه المركزي في الدار البيضاء.

  • الوصول السهل: يبعد الملعب 5 كم عن محطة القطار، ويسهل الوصول إليه عبر سيارات الأجرة أو الترامواي.

نصائح للزوار

  • حجز التذاكر مبكرًا: خاصة لمباريات الديربي أو المباريات الدولية، حيث يكون الطلب مرتفعًا.

  • الوصول مبكرًا: لتجنب الزحام والاستمتاع بالأجواء قبل المباراة.

  • السلامة: التزم بتعليمات الأمن، وتجنب حمل أغراض ممنوعة مثل الألعاب النارية.

  • استكشاف المركب: إذا أمكن، قم بزيارة الصالة المغطاة أو المسبح الأولمبي للتعرف على تنوع المرافق.

  • التقاط الصور: الملعب يوفر خلفيات رائعة للتصوير، خاصة من المدرجات العلوية.

المركب الرياضي محمد الخامس ليس مجرد ملعب، بل هو رمز وطني يجسد شغف المغاربة بالرياضة وتاريخهم العريق. من ديربي الدار البيضاء الناري إلى الأحداث الدولية الكبرى، يظل هذا الملعب قلبًا نابضًا في الدار البيضاء. على الرغم من التحديات مثل أعمال التخريب، يواصل الملعب دوره كمعلم رياضي وثقافي يجذب عشاق كرة القدم من المغرب وخارجه. إذا كنت تخطط لزيارة الدار البيضاء، فلا تفوت فرصة تجربة الأجواء الساحرة في ملعب محمد الخامس، حيث الحماس والتاريخ يلتقيان!

اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين

إرسال تعليق

أحدث أقدم