أغمات: جوهرة تاريخية منسية في قلب المغرب

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 



تزهو مدينة أغمات الأثرية، الواقعة على بعد حوالي 30 كيلومترًا جنوب شرق مدينة مراكش، بتاريخ عريق يمتد لقرون، مما يجعلها واحدة من أقدم وأهم الحواضر في المغرب. كانت أغمات عاصمة للعديد من الإمارات والدول التاريخية، من الإدريسيين إلى المرابطين، وهي اليوم وجهة سياحية وأثرية تستحق الزيارة. في هذا المقال، سنأخذكم في جولة عبر تاريخ أغمات العريق، معالمها التاريخية، والمناطق المجاورة التي يمكن استكشافها.

تاريخ أغمات العريق

يعود تاريخ أغمات إلى ما قبل الفتح الإسلامي للمغرب، حيث كانت مأهولة بالسكان الأمازيغ. وفقًا للمصادر التاريخية، كانت أغمات مركزًا تجاريًا وثقافيًا حيويًا، وربطت بين بلاد تمبكتو في إفريقيا السوداء والمغرب الأقصى عبر تجارة الملح والذهب.


عصر الادارسة

في القرن التاسع الميلادي، أصبحت أغمات عاصمة منطقة سوس تحت حكم الأمير الإدريسي عبد الله بعد وفاة إدريس الثاني عام 828م. وصفها الجغرافي العربي أبو عبيد البكري بأنها مدينتان: أغمات أيلان وأغمات وريكة، حيث كانت أسواقها تجمع التجار والغرباء، وكانت موطنًا لقبائل مصمودة.

عصر المرابطين

بلغت أغمات ذروة مجدها خلال عهد المرابطين، حيث اتخذوها عاصمة مؤقتة قبل تأسيس مدينة مراكش عام 1062م بقيادة يوسف بن تاشفين. كانت أغمات مركزًا لنفي ملوك الطوائف من الأندلس، أبرزهم المعتمد بن عباد، ملك إشبيلية، الذي قضى أيامه الأخيرة فيها مأسورًا مع زوجته اعتماد الرميكية وابنهما. ضريح المعتمد بن عباد يعد اليوم واحدًا من أبرز المعالم التي تجذب الزوار.

الدور الاقتصادي والثقافي

كانت أغمات نقطة وصل تجارية وثقافية مهمة، حيث ازدهرت فيها الأسواق والصناعات. شهدت المدينة ازدهارًا اقتصاديًا حتى نهاية العصر الموحدي، قبل أن تتراجع أهميتها بسبب الأزمات السياسية والتجارية.


المعالم التاريخية في أغمات

على الرغم من أن أغمات أصبحت اليوم قرية صغيرة، إلا أن آثارها تحكي قصصًا من عصور غابرة. من أبرز معالمها:

1. ضريح المعتمد بن عباد

يُعد ضريح المعتمد بن عباد من أهم المزارات في أغمات. يضم الضريح قبور المعتمد وزوجته اعتماد الرميكية وابنهما أبي سليمان الربيع. يتميز الضريح بعمارته المرابطية البسيطة، ويزينه أبيات شعرية نظمها المعتمد نفسه، تعبر عن مأساته وغربته. أحد الأبيات المكتوبة على القبر يقول:

قَبرَ الغَريب سَقاكَ الرائِحُ الغادي
حَقّاً ظَفَرتَ بِأَشلاء ابن عَبّادِ


يجذب الضريح الشعراء، المؤرخين، وعشاق التاريخ، وقد زاره شخصيات بارزة مثل لسان الدين ابن الخطيب.

2. الحمام الأثري

في عام 2005، اكتشف فريق بحث مغربي-أمريكي أقدم حمام عمومي في المغرب يعود تاريخه إلى القرن العاشر. يتكون الحمام من ثلاث غرف بدرجات حرارة مختلفة (باردة، دافئة، ساخنة)، مع سراديب بعلو 4 أمتار، مما يعكس التقدم الهندسي للأمازيغ. تصميمه يشبه الحمامات الأندلسية في غرناطة وإشبيلية.


3. قصر أغمات

يعود تاريخ قصر أغمات إلى القرن الرابع عشر، ويمتد على مساحة 250 مترًا مربعًا. كشفت الحفريات عن نظام مائي متقن يربط القصر بالساقية الكبرى التي كانت تزود الحمام، المسجد، والصهاريج. يعكس هذا النظام المهارة الهندسية التي تميزت بها المدينة.


4. المسجد الأثري

بقايا المسجد الأثري من القرن العاشر، الذي اكتُشف تحت حقل زراعي، تؤكد دور أغمات في نشر الثقافة الإسلامية والمذهب المالكي في الجنوب المغربي. كان المسجد مركزًا للتصوف، مما جعل أغمات تُعرف بـ"أعرق زاوية مغربية".


5. السور والقنوات المائية

تمتد بقايا سور أغمات لمئات الأمتار، إلى جانب قنوات الري والمساكن القديمة، التي تظهر مدى التخطيط العمراني المتقدم في المدينة.

المناطق المجاورة لزيارتها

تقع أغمات على طريق أوريكة، مما يجعلها نقطة انطلاق مثالية لاستكشاف المناطق المجاورة التي تزخر بالجمال الطبيعي والمعالم السياحية:

1. وادي أوريكة

على بعد حوالي 20 كيلومترًا من أغمات، يقع وادي أوريكة، وجهة سياحية شهيرة بمناظرها الخلابة وشلالاتها، مثل شلالات ستي فاطمة. يمكن للزوار الاستمتاع بالمشي لمسافات طويلة، تناول الطعام في المطاعم المطلة على النهر، أو استكشاف القرى الأمازيغية التقليدية.

2. مدينة مراكش

تبعد مراكش حوالي 30 كيلومترًا عن أغمات، وهي مدينة نابضة بالحياة تضم معالم مثل جامع الفنا، قصر الباهية، وحدائق المنارة. يمكن للزوار قضاء يوم كامل في استكشاف الأسواق التقليدية والمتاحف.

3. جبال الأطلس الكبير

تقع أغمات عند سفوح جبال الأطلس الكبير، مما يتيح فرصة زيارة قمم مثل جبل توبقال، أعلى قمة في شمال إفريقيا. تناسب هذه المنطقة عشاق المغامرات والتسلق.

4. قرية تحناوت

تقع قرية تحناوت على بعد حوالي 25 كيلومترًا من أغمات، وهي وجهة هادئة تشتهر بسوقها الأسبوعي وطبيعتها الخضراء. يمكن للزوار تجربة الحياة الريفية الأمازيغية الأصيلة.

نصائح لزيارة أغمات

  • أفضل وقت للزيارة: الربيع (مارس إلى مايو) أو الخريف (سبتمبر إلى نوفمبر) لتجنب الحرارة الشديدة.

  • كيفية الوصول: يمكن الوصول إلى أغمات من مراكش عبر سيارة أجرة أو سيارة خاصة عبر طريق أوريكة. الطريق إلى الموقع الأثري قد يكون غير معبد في بعض الأجزاء، لذا يُنصح باستخدام سيارة دفع رباعي.

  • الحالة الحالية: الموقع الأثري في طور الترميم، وقد يعاني من نقص في التأهيل السياحي، مثل غياب الممرات المناسبة أو الروائح الكريهة بسبب السوق الأسبوعي القريب. ومع ذلك، تجري وزارة الثقافة المغربية أعمالًا لتحسين الموقع.

  • ما يجب إحضاره: قبعة، واقي شمس، ومياه، خاصة إذا كنت تخطط للتجول في الموقع الأثري أو المناطق المجاورة.



أغمات ليست مجرد مدينة أثرية، بل هي شاهد حي على تاريخ المغرب الحافل بالحضارات المتعاقبة. من ضريح المعتمد بن عباد إلى الحمام الأثري والقصر المرابطي، تقدم أغمات تجربة فريدة لعشاق التاريخ والثقافة. مع قربها من وجهات سياحية مثل وادي أوريكة ومراكش، تعد أغمات إضافة رائعة إلى خطط السفر في المغرب. إذا كنت تبحث عن وجهة تجمع بين التاريخ العريق والجمال الطبيعي، فلا تفوت زيارة أغمات!

اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين

إرسال تعليق

أحدث أقدم