إيكودار: أقدم نظام بنكي في العالم وإرث ثقافي فريد

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 


في قلب جبال الأطلس الصغير بجنوب المغرب، تتواجد "إيكودار"، وهي ليست مجرد مبانٍ أثرية، بل أقدم نظام بنكي في العالم لا يزال يحتفظ بقيمته التاريخية والثقافية حتى اليوم. كلمة "إيكودار" هي صيغة الجمع لـ"أكادير" بالأمازيغية، وتعني "المخزن المشترك" أو "الحصن"، وهي منشآت جماعية كانت تُستخدم لحماية وتخزين الممتلكات الثمينة للسكان المحليين. في هذا المقال، سنستعرض تاريخ إيكودار، طريقة عملها، موقعها، وأهميتها السياحية والثقافية في العصر الحديث.

تاريخ تأسيس إيكودار

لا يوجد تاريخ دقيق لتأسيس إيكودار، لكنها تعود إلى عصور قديمة ترتبط بتاريخ الأمازيغ في منطقة سوس بالمغرب. تشير المصادر إلى أن هذه المخازن الجماعية بدأت تظهر منذ قرون، ربما قبل الميلاد، كجزء من النظام الاجتماعي والاقتصادي للقبائل الأمازيغية. كانت إيكودار تُبنى كحصون محصنة لتخزين الحبوب، الزيوت، الأموال، المجوهرات، والوثائق المهمة، مما جعلها بمثابة "بنك" قديم يحمي ثروات السكان من السرقة أو الكوارث الطبيعية.

واحة أمتضي، الواقعة بين سفوح جبال الأطلس الصغير، تُعدّ من أبرز المواقع التي اشتهرت بإيكودار، حيث استفاد السكان من مياه عين "بوكاع" الجارية طوال العام لبناء نظام اقتصادي واجتماعي متكامل.


كيفية عمل إيكودار

كانت إيكودار بمثابة نظام بنكي مجتمعي يعتمد على الثقة والتعاون بين أفراد القبيلة. تتكون هذه المنشآت من مبانٍ حجرية عالية الأسوار مزودة بأبواب خشبية ضخمة وأنظمة أمنية تقليدية. كل عائلة أو فرد في القبيلة كان يملك حجرة خاصة داخل الإيكودار لحفظ ممتلكاته. يُشرف على هذه المخازن حارس أو "أمين" يُعرف باسم "أمغار"، وهو شخص موثوق يتولى حماية المخزن وتنظيم عمليات الإيداع والسحب.


النظام كان يعتمد على:

  • التخزين الآمن: حماية الممتلكات من السرقة أو الأضرار.

  • التوثيق: تسجيل الممتلكات المودعة في سجلات يدوية أو عبر اتفاقيات شفهية.

  • التعاون المجتمعي: كل فرد في القبيلة يساهم في صيانة المخزن وحمايته.

  • الاستدامة: استخدام مواد محلية مثل الحجر والطين لبناء هذه الحصون، مما جعلها مقاومة للعوامل الجوية.

هذا النظام لم يكن مجرد وسيلة لتخزين الأموال، بل كان رمزًا للتضامن الاجتماعي والاقتصادي بين أفراد المجتمع الأمازيغي.

مكان تواجد إيكودار

تتركز إيكودار بشكل رئيسي في منطقة سوس بجنوب المغرب، خاصة في سهل سوس وقرى جبال الأطلس الصغير. من أبرز المواقع:

  • واحة أمتضي: تُعد مركزًا تاريخيًا لإيكودار، حيث تشتهر بمخازنها الأثرية التي لا تزال قائمة.

  • محافظة سوس الأمازيغية: تضم العديد من المخازن الأثرية التي تُعتبر جزءًا من التراث الوطني المغربي.

  • مناطق الأطلس الكبير والمتوسط: تحتوي على منشآت مشابهة تُعرف باسم "إغرم"، وهي تقابل إيكودار في المعنى والوظيفة.

هذه المواقع تتميز بطبيعتها الجبلية ومناخها الصحراوي، مما جعل إيكودار حلاً مثاليًا للحفاظ على الممتلكات في بيئة قاسية.


الأهمية السياحية والثقافية اليوم

تُعد إيكودار اليوم واحدة من أهم المعالم الثقافية والسياحية في المغرب، حيث تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم لاستكشاف تاريخها الفريد وهندستها المعمارية التقليدية. أهميتها تتمثل في:

الأهمية الثقافية

  • رمز التراث الأمازيغي: إيكودار تُجسد الإبداع الأمازيغي في إدارة الموارد وحماية الممتلكات، مما يعكس نظامًا اجتماعيًا واقتصاديًا متطورًا.

  • الحفاظ على الهوية: تساهم هذه المخازن في تعزيز الهوية الأمازيغية من خلال إبراز دورها التاريخي في المجتمع.

  • تعاون مع اليونسكو: قامت وزارة الثقافة المغربية بالتعاون مع اليونسكو بتخصيص ميزانية لترميم إيكودار، مما يعكس أهميتها كتراث عالمي.


الأهمية السياحية

  • جذب السياح: تُعد إيكودار وجهة مثالية لمحبي السياحة الثقافية والتاريخية، حيث يمكن للزوار استكشاف المخازن الأثرية والتعرف على نظامها البنكي القديم.

  • التصوير والفنون: تُستخدم إيكودار كخلفية للتصوير الفوتوغرافي وإنتاج الأفلام الوثائقية التي تروي تاريخ الأمازيغ.

  • الفعاليات الثقافية: تُنظم في المناطق المحيطة بإيكودار مهرجانات ثقافية تُبرز التراث الأمازيغي، مثل الموسيقى والرقصات التقليدية.


الجهود الحديثة

تعمل الحكومة المغربية على حماية هذا التراث من خلال:

  • الترميم: تخصيص ميزانيات لترميم المخازن الأثرية، مثل مشروع بقيمة 10 ملايين دولار في محافظة سوس.

  • التصنيف كتراث وطني: إدراج إيكودار ضمن قائمة التراث الوطني المغربي لضمان حمايتها.

  • التوعية: تنظيم جولات سياحية وبرامج تعليمية للتعريف بأهمية إيكودار.



إيكودار ليست مجرد مخازن حجرية، بل هي شاهد على عبقرية الأمازيغ في إنشاء أول نظام بنكي في العالم. من خلال تصميمها المعماري الفريد ونظامها الاجتماعي المتطور، تظل إيكودار رمزًا للابتكار والتضامن. اليوم، تُعد هذه المخازن وجهة سياحية وثقافية تجذب عشاق التاريخ والتراث، وتساهم في تعزيز الهوية الأمازيغية والمغربية. إذا كنت تخطط لزيارة المغرب، فلا تفوت فرصة استكشاف إيكودار في قلب سوس، حيث يلتقي التاريخ بالحاضر في مشهد ثقافي ساحر.

اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين

إرسال تعليق

أحدث أقدم