تاريخ المغرب يحيى بن إبراهيم الجدالي: رائد الحركة المرابطية

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 


مقدمة عن يحيى بن إبراهيم الجدالي

يحيى بن إبراهيم الجدالي، زعيم قبيلة جدالة من اتحاد قبائل صنهاجة الملثمين في الصحراء الكبرى، كان شخصية محورية في تأسيس الدولة المرابطية خلال القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي). عُرف يحيى بشجاعته، كرمه، وحرصه على هداية قومه إلى الإسلام الصحيح، في وقت كانت فيه قبائل صنهاجة تعاني من الجهل بالتعاليم الإسلامية، متمسكة ببعض عادات الجاهلية. كان يحيى أول أمير مرابطي، ومهد بجهوده لقيام دولة إسلامية قوية حكمت المغرب والأندلس لعقود.

رحلة الحج والبحث عن العلم

في عام 427هـ (1035م)، خرج يحيى بن إبراهيم من ديار الملثمين في هضبة أدرار (موريتانيا الحالية) قاصدًا بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، تاركًا الحكم لابنه إبراهيم. في تلك الفترة، كان الحج يقترن غالبًا بطلب العلم، فبعد أداء الفريضة، توجه يحيى إلى القيروان، مركز العلم في المغرب. هناك، التقى بالإمام أبو عمران الفاسي، شيخ المالكية، الذي أعجب بحرص يحيى على التعلم وإصلاح دين قومه. عندما تحدث يحيى عن حال قبيلته جدالة، التي كانت تعاني من جهل بأحكام الإسلام، طلب من أبي عمران إرسال عالم لتعليمهم الدين الصحيح.


رفض تلاميذ أبي عمران مرافقة يحيى بسبب مشقة السفر إلى الصحراء، فأحاله الإمام إلى تلميذه الفقيه وجاج بن زلو اللمطي في السوس الأقصى، الذي كان يقيم في رباط بمدينة نفيس يُعرف بـ"دار المرابطين". اختار وجاج الفقيه عبد الله بن ياسين الجزولي، العالم الورع، لمرافقة يحيى وتعليم قبيلته.

عودة يحيى وعبد الله بن ياسين إلى جدالة

عاد يحيى بن إبراهيم إلى قبيلته برفقة عبد الله بن ياسين، الذي بدأ دعوته الإصلاحية بتعليم القرآن وشرائع الإسلام. استقرت الدعوة أولاً في قبيلة لمتونة، التي رحبت بالفقيه بحفاوة. قدم يحيى عبد الله بن ياسين لقومه قائلاً: "هذا حامل سنة رسول الله"، مما يعكس احترامه العميق له. واجهت الدعوة مقاومة من بعض القبائل التي رفضت التخلي عن عاداتها، مما دفع يحيى وابن ياسين للانعزال في رباط نائي في الصحراء مع مجموعة صغيرة من الأتباع.


مع الوقت، كثر أتباع الدعوة، ووصل عددهم إلى حوالي ألف من أشراف صنهاجة، فسموا "المرابطين" نسبة إلى التزامهم بالرباط. خطب عبد الله بن ياسين فيهم بضرورة الجهاد، فلبّى يحيى وأتباعه الدعوة، وبدأوا فتوحاتهم ضد قبائل صنهاجة الواحدة تلو الأخرى، مما عزز قوة جدالة وأسس لظهور الدولة المرابطية.

جهاد يحيى بن إبراهيم واستشهاده

قاد يحيى بن إبراهيم المرابطين في جهادهم ضد القبائل الوثنية والخارجة عن الدين في تخوم السودان (السنغال وما جاورها حاليًا)، بهدف نشر الإسلام الصحيح وإخضاع المتمردين. في عام 439هـ (1047م)، استشهد يحيى في إحدى المعارك ضد الوثنيين، تاركًا فراغًا سياسيًا كبيرًا. حزن المرابطون على فقدانه، لرمزيته كأول أمير ومؤسس لدعوتهم. رفض عبد الله بن ياسين تعيين خليفة من جدالة لتجنب العصبية القبلية، واختار يحيى بن عمر اللمتوني، من قبيلة لمتونة، لقيادة المرابطين، لما عُرف عنه من دين وفضل.

إرث يحيى بن إبراهيم

كان يحيى بن إبراهيم الجدالي رائدًا في تأسيس الدولة المرابطية، التي أصبحت قوة إسلامية عظيمة امتدت من الصحراء الكبرى إلى المغرب والأندلس. تضحيته بمكانته الاجتماعية ودعمه لعبد الله بن ياسين مكّنا الدعوة الإصلاحية من الانتشار، مما أدى إلى توحيد قبائل صنهاجة وإقامة دولة قائمة على الشريعة الإسلامية. رغم أن المصادر التاريخية لا تذكر تفاصيل نشأته أو سنة ولادته، فإن دوره كزعيم سياسي وديني جعله رمزًا للإصلاح والجهاد في تاريخ المغرب.

يحيى بن إبراهيم الجدالي لم يكن مجرد أمير قبلي، بل كان قائدًا رؤيويًا سعى لإخراج قومه من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام. رحلته من الحج إلى القيروان، ثم عودته مع عبد الله بن ياسين، وتضحياته في سبيل الدعوة، جعلته أحد أعظم الشخصيات في تاريخ المرابطين. إرثه عاش من خلال الدولة التي أسسها، والتي حافظت على كرامة المغرب والأندلس وحمت الإسلام في المنطقة لعقود طويلة.

اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين

إرسال تعليق

أحدث أقدم