
شهد المغرب الأقصى، بعد الفتح الإسلامي في أواخر القرن السابع الميلادي، مرحلة انتقالية تميزت بالتبعية للحكم الأموي في دمشق (661-750 م). ومع ذلك، أدت التوترات الناتجة عن سياسات التمييز ضد الأمازيغ وضعف السلطة المركزية إلى ظهور حركات استقلالية أسفرت عن قيام أولى الامارات المستقلة عن الحكم الأموي. في هذا المقال، نستعرض ظهور هذه الامارات، مع التركيز على إمارة برغواطة، وإمارة نكور، ودورها في تشكيل هوية المغرب.
السياق التاريخي
بعد اكتمال الفتح الإسلامي للمغرب بقيادة قادة مثل عقبة بن نافع (670 م)، الحسن بن النعمان (698 م)، وموسى بن نصير (708 م)، أصبح المغرب جزءًا من الدولة الأموية. ومع ذلك، أثار التمييز ضد الأمازيغ، خاصة فرض الجزية على المسلمين منهم، استياءً كبيرًا. كما ساهم ضعف الحكم الأموي في المشرق، نتيجة الصراعات مع التورات في المشرق، في خلق بيئة مواتية للاستقلال. هذه العوامل مهدت لظهور امارات مستقلة حملت طابعًا إسلاميًا وأمازيغيًا مميزًا.
أسباب ظهور الدول المستقلة
1. التمييز ضد الأمازيغ
أحد أبرز الأسباب التي دفعت إلى ظهور الدول المستقلة هو شعور الأمازيغ بالتهميش تحت الحكم الأموي (661-750 م). على الرغم من اعتناق معظم الأمازيغ للإسلام بعد الفتح الإسلامي، استمر بعض الولاة الأمويين في معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية:
فرض الجزية على المسلمين: فرضت الجزية، التي كانت مخصصة لغير المسلمين، على بعض الأمازيغ المسلمين، مما اعتُبر ظلمًا ومخالفة لمبادئ الإسلام التي تنادي بالمساواة.
التمييز الإداري والعسكري: كان الأمازيغ يُستخدمون في الجيوش الإسلامية، لكنهم نادرًا ما تبوأوا مناصب قيادية عليا، مما زاد من استيائهم.
الثورات الناتجة: هذا التمييز أدى إلى تمردات، مثل ثورة ميسرة المدغري (739-742 م)، التي عبرت عن رفض الأمازيغ للسياسات الأموية ومهدت لظهور دول مستقلة.
2. ضعف السلطة الأموية المركزية
كانت الدولة الأموية تواجه تحديات داخلية كبيرة في المشرق، مما أضعف سيطرتها على الأطراف مثل المغرب:
الصراعات الداخلية: شهدت الدولة الأموية صراعات بين الفصائل العربية، مثل الصراع بين القيسية واليمانية، إلى جانب تصاعد المعارضة العباسية.
صعوبة الإدارة عن بُعد: كان من الصعب على دمشق إدارة منطقة بعيدة مثل المغرب الأقصى، خاصة مع التضاريس الجبلية والصحراوية التي ساعدت الأمازيغ على تنظيم المقاومة.
سقوط الأمويين: مع سقوط الدولة الأموية عام 750 م على يد العباسيين، أصبح المغرب بيئة مواتية لظهور دول مستقلة استغلت هذا الفراغ السياسي.
3. انتشار الأفكار الدينية المعارضة
لعبت الأفكار الدينية دورًا كبيرًا في تحفيز الحركات الاستقلالية:
الأفكار الخوارجية: انتشرت الخوارجية بين الأمازيغ، وهي حركة دعت إلى المساواة بين جميع المسلمين ورفضت الحكم الأموي الذي اعتبرته غير عادل. كانت ثورة ميسرة المدغري مستلهمة من هذه الأفكار، مما شجع القبائل على السعي للاستقلال.
المعتقدات المحلية: في حالة إمارة برغواطة، امتزجت المعتقدات الأمازيغية التقليدية مع الإسلام، مما أدى إلى إنشاء كيان مستقل بقيادة صالح بن طريف.
4. الروح الاستقلالية للأمازيغ
كانت القبائل الأمازيغية تتمتع بروح استقلالية قوية قبل الفتح الإسلامي، حيث كانت تعيش تحت أنظمة قبلية مستقلة:
التنظيم القبلي: ساعدت البنية القبلية للأمازيغ، مثل قبائل أوربة، زناتة، وبرغواطة، على تنظيم المقاومة ضد الحكم الأموي وتأسيس كيانات سياسية مستقلة.
التضاريس الجغرافية: ساهمت التضاريس الجبلية والصحراوية في المغرب في صعوبة فرض السيطرة المركزية، مما أعطى الأمازيغ ميزة استراتيجية لإقامة دولهم.
الهوية الثقافية: تمسك الأمازيغ بهويتهم الثقافية واللغوية شجعهم على السعي للحكم الذاتي
5. الفرص السياسية والصراعات الخارجية
استغلت القبائل الأمازيغية الصراعات بين الأمويين والعباسيين لتأسيس دول مستقلة:
الصراع الأموي-العباسي: مع سقوط الأمويين عام 750 م، أصبح المغرب بعيدًا عن سيطرة العباسيين الذين ركزوا على المشرق، مما سمح بظهور دول مثل الأدارسة.
هجرة العلويين: وصول إدريس بن عبد الله، وهو علوي هارب من المشرق، إلى المغرب عام 788 م، وفر قيادة سياسية بديلة حظيت بدعم القبائل الأمازيغية.
التجارة والاقتصاد: استفادت إمارات مثل نكور من موقعها على البحر المتوسط لتطوير التجارة، مما عزز استقلالها الاقتصادي والسياسي.
أولى الامارات المستقلة
1. إمارة برغواطة (744-1058 م)
تُعد إمارة برغواطة واحدة من أبرز الدول المستقلة التي ظهرت في المغرب الأقصى خلال العصر الإسلامي المبكر. قامت هذه الإمارة على يد قبيلة برغواطة الأمازيغية على الساحل الأطلسي، وتميزت بمزيج فريد من الإسلام والمعتقدات المحلية. منذ تأسيسها في منتصف القرن الثامن الميلادي حتى سقوطها في القرن الحادي عشر، شكلت إمارة برغواطة تجربة سياسية وثقافية استثنائية. نستعرض تاريخ هذه الإمارة من التأسيس إلى السقوط، مع التركيز على أسباب نشأتها، تطورها، وأسباب زوالها.
التأسيس (744 م)
أُسست إمارة برغواطة في حوالي عام 744 م على يد صالح بن طريف، زعيم قبيلة برغواطة الأمازيغية، التي كانت تسكن منطقة الساحل الأطلسي في المغرب الأقصى، حول مدينة تمسنا (منطقة الرباط وسلا الحالية). جاء تأسيس الإمارة في سياق التوترات التي شهدها المغرب خلال التبعية للحكم الأموي (661-750 م).
أسباب التأسيس
التمييز الأموي: شعر الأمازيغ بالتهميش تحت الحكم الأموي بسبب فرض الجزية على المسلمين منهم واستبعادهم من المناصب القيادية. هذا التمييز دفع قبائل مثل برغواطة إلى السعي للاستقلال.
الأفكار الخوارجية: تأثر صالح بن طريف بالأفكار الخوارجية التي دعت إلى المساواة ورفضت الحكم الأموي. ومع ذلك، طوّر صالح رؤية دينية خاصة، مدعيًا النبوة.
المزيج الديني: أعلن صالح بن طريف دينًا جديدًا يجمع بين الإسلام والمعتقدات الأمازيغية التقليدية، بما في ذلك إصدار "قرآن" خاص مكتوب باللغة الأمازيغية. هذا المزيج جذب القبائل المحلية التي تبحث عن هوية مستقلة.
الموقع الجغرافي: ساعد موقع برغواطة على الساحل الأطلسي، بعيدًا عن مركز الحكم الأموي في القيروان، في تحقيق استقلالها.
المبادئ الدينية والسياسية
أسس صالح بن طريف نظامًا سياسيًا ودينيًا يعتمد على:
النبوة المحلية: ادعى صالح أنه نبي مرسل، وقدم "قرآنًا" مكونًا من 80 سورة باللغة الأمازيغية، مع الحفاظ على بعض الشعائر الإسلامية مثل الصلاة والصيام.
الحكم القبلي: اعتمدت الإمارة على البنية القبلية لقبيلة برغواطة، مما عزز تماسكها واستقلالها.
التجارة: استفادت الإمارة من موقعها الساحلي لتطوير التجارة مع إفريقيا جنوب الصحراء والأندلس، مما دعم اقتصادها.
التطور والازدهار
بعد تأسيس الإمارة، تولى أبناء وأحفاد صالح بن طريف قيادتها، مثل طريف بن صالح وإلياس بن صالح. تمتعت إمارة برغواطة بفترة ازدهار لعدة قرون بفضل:
الاستقلال السياسي: استفادت الإمارة من ضعف السلطة الأموية، ثم العباسية لاحقًا، للحفاظ على استقلالها. لم تتعرض لتدخلات كبيرة من القيروان أو دمشق.
الاقتصاد القوي: أصبحت تمسنا مركزًا تجاريًا هامًا، حيث كانت نقطة وصل بين التجارة الصحراوية (الذهب والملح) والتجارة البحرية مع الأندلس.
التماسك الثقافي: ساعد المزيج الديني بين الإسلام والمعتقدات الأمازيغية في تعزيز ولاء القبائل للإمارة، مما جعلها قوة محلية متماسكة.
الدفاع العسكري: طورت الإمارة قوة عسكرية قوية، مكنتها من صد محاولات السيطرة من قبل الدول المجاورة.
خلال هذه الفترة، حافظت برغواطة على علاقات تجارية ودبلوماسية مع الأندلس الأموية، مما عزز مكانتها الإقليمية. كما تميزت بإدارة محلية تعتمد على زعماء القبائل، مع الحفاظ على الهوية الأمازيغية.
التحديات والصراعات
على الرغم من ازدهارها، واجهت إمارة برغواطة تحديات داخلية وخارجية:
الصراع مع الدول الإسلامية: اعتبرت الدول الإسلامية، مثل الأدارسة والعباسيين، معتقدات برغواطة منحرفة بسبب ادعاء صالح النبوة. هذا أدى إلى توترات مستمرة.
التنافس القبلي: واجهت الإمارة تحديات من قبائل أمازيغية أخرى، مثل زناتة، التي كانت تدعم كيانات منافسة مثل إمارة نكور.
الضغط الخارجي: مع صعود دول قوية مثل الأدارسة (788-985 م) والمرابطين لاحقًا، أصبحت برغواطة عرضة للهجمات.
السقوط (1058 م)
بدأت إمارة برغواطة تضعف في القرن الحادي عشر مع صعود دولة المرابطين (1040-1147 م)، وهي دولة إسلامية أمازيغية تبنت المذهب السني المالكي. أسباب السقوط تشمل:
الهجمات المرابطية: رأى المرابطون، بقيادة عبد الله بن ياسين، أن معتقدات برغواطة تشكل خطرًا على الإسلام السني. شنوا حملات عسكرية ضد الإمارة، وفي حوالي عام 1058 م، تمكنوا من القضاء عليها نهائيًا.
الانقسامات الداخلية: أدت الصراعات بين زعماء قبيلة برغواطة إلى إضعاف التماسك الداخلي، مما سهل هزيمتهم أمام المرابطين.
رفض المعتقدات المحلية: مع انتشار المذهب المالكي في المغرب، فقدت معتقدات برغواطة الدينية شعبيتها، مما قلل من دعم القبائل للإمارة.
تم تدمير تمسنا، المركز الرئيسي للإمارة، وسقطت برغواطة تحت سيطرة المرابطين، مما أنهى وجودها ككيان سياسي مستقل.
التأثيرات طويلة الأمد
على الرغم من سقوطها، تركت إمارة برغواطة إرثًا هامًا:
الهوية الأمازيغية: أظهرت الإمارة قدرة الأمازيغ على إنشاء كيانات سياسية مستقلة تعبر عن هويتهم الثقافية.
التأثير الاقتصادي: ساهمت في تطوير التجارة الصحراوية والبحرية، مما مهد لازدهار المنطقة في العصور اللاحقة.
التنوع الديني: أبرزت الإمارة التنوع الديني في المغرب المبكر، حيث مزجت بين الإسلام والمعتقدات المحلية.
كانت إمارة برغواطة (744-1058 م) تجربة فريدة في تاريخ المغرب، حيث جمعت بين الاستقلال السياسي والمزيج الديني الإسلامي-الأمازيغي. من تأسيسها على يد صالح بن طريف إلى سقوطها على يد المرابطين، أظهرت هذه الإمارة مرونة الأمازيغ في مواجهة التحديات السياسية والدينية. رغم زوالها، ساهمت برغواطة في تشكيل الهوية المغربية، تاركة إرثًا يعكس التنوع الثقافي والروح الاستقلالية للمغرب الأقصى.
2. إمارة نكور (710-1084 م)
تُعد إمارة نكور واحدة من أوائل الكيانات السياسية المستقلة التي ظهرت في المغرب الأقصى بعد الفتح الإسلامي. أسستها قبيلة زناتة الأمازيغية في شمال المغرب، واستمرت لأكثر من ثلاثة قرون كمركز تجاري وسياسي هام. تميزت الإمارة بموقعها الاستراتيجي على البحر المتوسط، ونجحت في الحفاظ على استقلالها عن الحكم الأموي والعباسي لفترة طويلة. نستعرض تاريخ إمارة نكور من التأسيس إلى السقوط، مع التركيز على أسباب نشأتها، تطورها، وأسباب زوالها.
التأسيس (710 م)
أُسست إمارة نكور حوالي عام 710 م على يد صالح بن منصور، زعيم قبيلة زناتة الأمازيغية، في منطقة الريف شمال المغرب، حول مدينة نكور (بالقرب من الحسيمة الحالية). جاء تأسيس الإمارة في سياق التحولات التي شهدها المغرب بعد الفتح الإسلامي، حيث سعت القبائل الأمازيغية إلى إقامة كيانات مستقلة عن الحكم الأموي.
أسباب التأسيس
الروح الاستقلالية الأمازيغية: كانت قبيلة زناتة، مثل غيرها من القبائل الأمازيغية، تتمتع بتقاليد الحكم الذاتي قبل الفتح الإسلامي، مما شجعها على إقامة كيان مستقل.
التمييز الأموي: أثار التمييز ضد الأمازيغ، مثل فرض الجزية على المسلمين منهم، استياءً كبيرًا، مما دفع قبيلة زناتة إلى السعي للاستقلال.
الموقع الجغرافي: تقع نكور على ساحل البحر المتوسط، مما جعلها مركزًا تجاريًا استراتيجيًا بعيدًا عن سيطرة القيروان، عاصمة الحكم الأموي في شمال إفريقيا.
اعتناق الإسلام: اعتنق صالح بن منصور الإسلام، مما ساعد على كسب تأييد القبائل المحلية التي بدأت تتبنى الدين الجديد، مع الحفاظ على الهوية الأمازيغية.
التطور والازدهار
بعد تأسيسها، تطورت إمارة نكور لتصبح مركزًا سياسيًا وتجاريًا هامًا تحت حكم صالح بن منصور وخلفائه، مثل سعيد بن إدريس وصالح بن سعيد. تميزت هذه الفترة ب:
التجارة البحرية: استفادت نكور من موقعها على البحر المتوسط لتطوير التجارة مع الأندلس، الشام، وأوروبا. كانت المدينة مركزًا لتصدير المنتجات الزراعية، مثل الزيتون والعنب، والحرف اليدوية.
الاستقلال السياسي: حافظت نكور على استقلالها عن الحكم الأموي، ثم العباسي بعد سقوط الأمويين عام 750 م. استفادت من الصراعات بين الأمويين والعباسيين لتعزيز مكانتها.
التنظيم القبلي: اعتمدت الإمارة على البنية القبلية لقبيلة زناتة، مما ضمن تماسكها الداخلي. كما عززت العلاقات مع القبائل الأمازيغية الأخرى.
الثقافة الإسلامية-الأمازيغية: جمعت نكور بين الإسلام والهوية الأمازيغية، حيث تم بناء مساجد ومراكز تعليمية بسيطة، مع الحفاظ على التقاليد المحلية.
خلال هذه الفترة، أصبحت نكور مركزًا للتبادل التجاري والثقافي، مما ساعدها على الازدهار اقتصاديًا وسياسيًا. كما حافظت على علاقات دبلوماسية مع الأندلس الأموية، التي كانت تحت حكم عبد الرحمن الداخل، مما عزز مكانتها الإقليمية.
التحديات
واجهت إمارة نكور تحديات داخلية وخارجية هددت استقرارها:
التنافس القبلي: تنافست نكور مع قبائل أمازيغية أخرى، مثل قبيلة أوربة التي دعمت دولة الأدارسة. هذا التنافس حد من توسعها.
الضغط من الأدارسة: مع ظهور دولة الأدارسة (788-985 م) في فاس، واجهت نكور منافسة سياسية من كيان إسلامي-أمازيغي قوي تبنى المذهب الزيدي.
الصراعات الداخلية: شهدت الإمارة نزاعات بين زعماء زناتة، مما أضعف تماسكها السياسي في بعض الفترات.
السقوط (1084 م)
بدأت إمارة نكور تضعف في القرن الحادي عشر مع صعود دولة المرابطين (1040-1147 م)، وهي دولة إسلامية أمازيغية تبنت المذهب المالكي. أسباب السقوط تشمل:
الهجمات المرابطية: رأى المرابطون، بقيادة يوسف بن تاشفين، أن إمارة نكور تشكل تحديًا لسيطرتهم على المغرب. شنوا حملات عسكرية ضد نكور، وفي حوالي عام 1084 م، تمكنوا من السيطرة على المدينة وإنهاء الإمارة.
الانقسامات الداخلية: أدت الخلافات بين زعماء قبيلة زناتة إلى إضعاف الإمارة، مما جعلها غير قادرة على مقاومة المرابطين.
التغيرات الإقليمية: مع انتشار المذهب المالكي وتوحيد المغرب تحت حكم المرابطين، فقدت نكور أهميتها ككيان مستقل.
تم دمج منطقة نكور في دولة المرابطين، وفقدت الإمارة وجودها ككيان سياسي مستقل، لكن تأثيرها الثقافي والتجاري استمر في المنطقة.
التأثيرات طويلة الأمد
تركت إمارة نكور إرثًا هامًا في تاريخ المغرب:
التجارة البحرية: ساهمت نكور في تطوير التجارة المتوسطية، مما مهد لازدهار المنطقة في العصور اللاحقة تحت حكم المرابطين والموحدين.
الهوية الأمازيغية: أظهرت الإمارة قدرة الأمازيغ على إنشاء كيانات سياسية مستقلة تجمع بين الإسلام والهوية المحلية.
التنوع الثقافي: عكست نكور التنوع الثقافي في المغرب المبكر، حيث امتزجت التأثيرات الإسلامية مع التقاليد الأمازيغية.
كانت إمارة نكور (710-1084 م) تجربة رائدة في تاريخ المغرب الأقصى، حيث نجحت قبيلة زناتة في إقامة كيان سياسي مستقل استمر لأكثر من ثلاثة قرون. من تأسيسها على يد صالح بن منصور إلى سقوطها على يد المرابطين، استفادت الإمارة من موقعها الاستراتيجي وروحها الاستقلالية لتصبح مركزًا تجاريًا وسياسيًا هامًا. رغم زوالها، ساهمت نكور في تشكيل الهوية المغربية، تاركة إرثًا يعكس التنوع الثقافي والاقتصادي للمغرب في العصور الوسطى.
كان ظهور أولى الدول المستقلة عن الحكم الأموي في المغرب، مثل الأدارسة، برغواطة، ونكور، نتيجة للتوترات السياسية والاجتماعية التي أثارها التمييز الأموي وضعف السلطة المركزية. لم تكن هذه الدول مجرد كيانات سياسية، بل ساهمت في تشكيل هوية المغرب الحديث من خلال دمج الإسلام مع الثقافة الأمازيغية. هذه الفترة وضعت الأسس لتطور المغرب كمركز حضاري مستقل في العالم الإسلامي، مع إرث ثقافي وسياسي لا يزال واضحًا حتى اليوم.